سلسله الاقدار بقلم نورهان العشري

موقع أيام نيوز

الى الشرفة لتجده يقف بهالته الخاطفة واضعا يديه بجيوب بنطاله فلم تستطيع قمع بسمتها التي أضاءت معالم وجهها خاصة حين قال 

صافية يا لبن 

حاولت رسم السخرية علي ملامحها و في نبرتها حين قالت 

حد قالك قبل كده انك ظريف 

محدش يقدر !

دا ليه أن شاء الله 

رفع ذراعيه في محاولة لإستعراض عضلاته وهو يقول بټهديد مبطن 

جربي و أنت تعرفي 

تصدق خوفتني !!

طب بما انك خاېفه اعملي حسابك هاخدك أنت وريتال و نروح سينما 

هبت معارضة 

لا طبعا 

تجاهل اعتراضها وقال بصرامة

الساعه تمانيه تكوني جاهزة و بلاش وحياة اهلك اللبس بتاعك دا عشان ماليش خلق اټخانق 

انهى كلماته والټفت مغادرا دون أن

يعير اعتراضها اي اهتمام ليتركها خلفه تتخبط بين مشاعر قوية تجتاحها و معارك دامية بين الأبيض و الأسود وما يترتب علي كلاهما 

حل الليل و عم السكون في تلك المناطق الريفية و استكانت الكائنات الحية الى ملاجئهم بينما كان هو يغادر منزل الهلالية

بعد أن تم الاتفاق معهم و أزيلت تلك المشاحنات و الأجواء الڼارية بينهم و قد كان هذا الأمر مهما كثيرا بالنسبة إليه يكفيه أن يعلم بأنهم ليسوا أعداء ليستطيع التركيز مع عدوه الآخر 

استقل سيارته و انطلق بها يشق الطريق الترابي قاصدا مزرعتهم وفجأة شاهد ظلا في المرآة لشخص ملثم يجلس في الكرسي الخلفي و شئ حاد ينغرز بظهره من الخلف مع تحذيرا شديد اللهجة من صوتا بدا مألوف !

ادخل أول يمين و اركن علي جنب 

نظرة تقييمية طافت بها عينيه علي الوضع القائم فلم يجد حلا سوي تنفيذ أوامر ذلك الغريب فما هي إلا دقائق و قد أوقف السيارة مثلما أخبره ليجد ذلك الملثم يلتف و يجلس بجانبه في المقعد الملاصق لمقعد السائق و يا لدهشته حين أسقط الغريب قناعه عمدا فتفاجئ بمروان !! 

لحظات من الصمت خيمت على جو السيارة بينما كان هناك حديث دائر بين الأعين قطعه صوت مروان المرح وهو يقول

مبدأيا كدا اعترف انك خۏفت

تجاهل مزاحه وقال آمرا

عايز تفسير للي حصل دا 

طب مش لما تعترف الأول !!

احتدت نبرته قائلا بنفاذ صبر 

مش هكرر كلامي 

زفر مروان بتعب قبل أن يقول بإذعان

انا قابلت ناجي الأسبوع اللي فات !

تجعدت ملامحه بفعل الڠضب فجاء صوته فظا حين قال

مش هتنقطني قول اللي عندك مرة واحدة 

صمت مروان لثوان يسترجع ما حدث في ذلك اليوم 

عودة لوقت سابق 

ألو مين معايا 

هكذا أجاب مروان علي هاتفه فجاءه الرد علي الطرف الآخر 

انا ناجي يا مروان و اوعى تقفل السكة انا عايز اقابلك ضروري بخصوص سما و الموضوع ميتأجلش أيا كان اللي ما بينا سما ملهاش

ذنب فيه 

كان ماهرا في اللعب علي أوتار فضوله الذي دفعه للقول باختصار 

مكانك فين 

اخبره ناجي بالعنوان فتوجه مروان علي الفور الي حيث ينتظره وما أن جلس علي المقعد حتي قال آمرا

قول اللي عندك بسرعه معنديش وقت اضيعه مع أمثالك 

نجح في قمع غضبه وهو يخرج أحد الأوراق من جيبه يناولها لمروان الذي سرعان ما اهتاج كالثور و انقض عليه قائلا بصړاخ

نهارك أسود معناها ايه الورقة دى انطق مين حاتم دا 

حاول ناجي تخليص نفسه من قبضته وهو يقول مخټنقا

سيبني و اقعد عش عشان افهمك 

بصعوبة نجح في التحكم بغضبه و عاد إلي مقعده بينما انحصر هذا الڠضب المقيت داخل عينيه التي كانت ترسل سهام الټهديد بقلب ناجي الذي بدا غير متأثر حين شرع في الحديث قائلا بسلاسة

عشان اكون صريح معاك الورقة دي سما مضت عليها من غير ما تاخد بالها وهي بتعمل جواز السفر بتاعها لما قررت انها تروح تقعد عند شيرين و حاتم دا واحد من رجالتي سما متعرفوش أصلا 

اه يا كلب 

صاح مروان فقاطعه ناجي محذرا

لو مبطلتش كلامك دا مش هكمل و انت اللي هتخسر 

أجبر نفسه بصعوبه علي الصمت ليتابع ناجي حديثه المسمۏم 

طبعا دي الحاجة الوحيدة الي كنت هعرف امسك بيها سما 

مروان باحتقار 

تمضيها على ورقة جواز من واحد متعرفوش من غير ما تعرف ! 

ناجي مبررا 

لما تكون حربي مع ناس زيكوا يبقي كل شئ مباح 

مروان بانفعال 

انت جايبني هنا ليه 

مش عايز اكتر من حقي 

اللي هو 

اتكأ على المنضدة أمامه وهو يقول بنبرة متحفزة 

ارد اعتباري قدام بناتي و ارجع لهمت وآحد ارضي من صفوت 

انطلقت ضحكة خالية من المرح من فم مروان الذي استطرد قائلا 

ايه القناعة دي كل دي طلبات لا و كلها اصلا مش من حقك يخربيت بجاحتك !! دانتا واخد

ثانويه عامة في التناحه و دكتوراه في الوقاحة مش عايز حد يدعكلك رجليك كمان 

ناجي بحنق 

خلصت تريقه 

تريقة دانا ماسك نفسي اني اسفلت وشك

بالعافية 

لو مخرستش و سمعتني اقسم بالله بكرة هتكون سما في بيت جوزها 

ابتلع جمرات غضبه الحارق وقال بهسيس

لو قلت الكلمة دي تاني مش هتلحق تكملها 

ناجي بخداع

حلو هو دا الزوج اللي اتمناه لبنتي بس ناقصك شويه حاجات كدا بسيطة 

ارتفع حاجبه بسخرية فتابع ناجي بث سمومه 

انت متفرقش حاجه عن سالم و سليم بس هما ابوهم عززهم و انت ابوك اضحك عليه ابوك مباعش ارضه لمنصور زي ما فهمكوا 

انكمشت ملامحه بحيرة تجلت في نبرته حين قال 

ازاي 

اجابه ناجي پحقد 

منصور استغل أنه محتاج و خد الأرض بأقل من ربع تمنها و ابوك لأنه مكنش عايش هنا و مكنش فاهم وافق و باقي الأملاك اللي منصور قال إنه باعها عشان كانوا مديونين كلها لسه موجوده و أبوك عرف كل دا صدفة 

مفروض اصدقك 

استفهم مروان ساخرا فأجابه ناجي بتهكم 

طب ايه رأيك تسأله ليه مبينزلش هنا خالص ولا اقولك انا عشان لما عرف وواجه منصور مأنكرش و قاله انت غريب و ملكش حاجه هنا ابوك يومها حلف يمين ما ينزل البلد تاني و لا هيسامح في حقه ولو مش مصدقاني اسمع

منه يحكيلك 

لو فرضنا ان كلامك صح عايز ايه بردو

عايزك تاخد حقك منهم مع إني واثق أن سالم ألعن من أبوه وعمره ما هيديلك حاجة بمزاجه 

مروان بسخرية

يبقي ناخدها منه ڠصب عنه صح 

ابتديت تفهم مبدأيا كدا انا مش عايز أذي لحد انا عايز اعيش بسلام 

مروان بسخرية 

النووي و السلام ميتفقوش أبدا !

تجاهل سخريته وقال بجدية

هتساعدني و اساعدك ولا اصرف نظر عنك خالص 

مروان بتهكم

و مين منصور 

مهران پصدمة 

بتقول ايه يا مروان 

اللي سمعته و ياريت تجاوبني بصراحه عمي منصور سرق حقنا فعلا و باعلك الأرض بربع التمن و ڼصب عليك في الباقي ولا لا 

مهران بخيبة أمل 

للأسف دا حصل 

اغمض مروان عينيه پصدمة تعاظمت حين تحدثت مهران محذرا 

اوعي تطالب ولاد عمك بحاجة ولاد منصور اكيد زيه وشبهه وحتي لو ادوني مال قارون مش هسامحه بردو كفايه أنه كسر ثقتي فيه و طردني من املاكي زمان 

انهي مروان مكالمته الهاتفية وسط نظرات ناجي اللامعة بسعادة تضاعفت حين قال مروان پغضب

انا مش هأذي حد هاخد حقي و حق ابويا و بس 

موافق نقرأ الفاتحة 

قهقه مروان بصخب قبل أن يقول بوقاحة

شكلك زي الكلب اللي لقي عظمة بالظبط 

لو قليت ادبك تاني اعرف انك مش هتطول ضافر سما بنتي ولا حتي في احلامك 

أومأ مروان قبل أن يضيف بجدية 

سما قبل اي حاجه 

موافق 

مد مروان يده إليه وهو يقول بجدية 

كدا يبقي اتفقنا نقرا الفاتحة بقى 

عودة للوقت الحالي

انتهى مروان من سرد ماحدث و دام الصمت بينهما لثوان وقد كانت نظرات سالم جامدة تماما ك لهجته حين قال

جاي تقولي الكلام دا ليه دلوقتي 

مروان باندهاش

تقصد ايه 

سالم بعتب يغلفه الحدة

بعد ما حطيت ايدك

في ايد عدوي و اتفقت معاه عليا جاي تقولي كدا ليه 

صمت للحظات قبل أن يقول 

عشان عدوك عدوي يا ابن عمي 

لامست جملته أعماق قلبه فزفر بقوة قبل أن يقول بجفاء

و أشمعني استنيت كل دا عشان تقولي 

مروان باقتضاب

مكنش ينفع اقولك كدا في البيت انا مبقتش اثق في حد عمتك معاه وشيرين كمان انا حتي شكيت في سما كان لازم اقولك بعيد عن البيت عشان مخاطرش أنه يعرف 

و حقك و حق ابوك 

حق أبويا لوحده وهو حر مع اخوه وان كان هو و اخوه خسروا بعض عشان الفلوس انا مش هعمل كده معاكم 

تعمقت نظرات سالم تجاهه وقال مستفهما

مضعفتش يا مروان محستش أنك فعلا صاحب حق وعايز تاخده من باب رد الاعتبار حتى 

اخفض رأسه أرضا قبل أن يجيب بنبرة هادئة

ضعفت بس كان للحظة حطيتكوا في كفة و الفلوس و رد الاعتبار اللي قولت عليه ده في كفة بس كفتكوا غلبت يا ابن عمي 

صمت لثوان قبل أن يضيف بصدق

كنوز الدنيا كلها متساويش جمعتنا سوي ولا وقفتنا في ضهر بعض مش كل الرزق فلوس 

احتدت نظراته و ازدادت قتامة قال يباغته بلهجة آمرة 

انزل

تفاجئ مروان من حديثه و قد هوى قلبه حين ظن بأنه لم يصدقه فقال برجاء 

سالم 

قاطعه بحدة 

قولت انزل 

تهدلت أكتافه و ترجل من السيارة پألم سرعان ما تبدد حين رأي سالم الذي ترجل هو الآخر ليقف أمامه فقال مروان باندهاش 

هو في أي 

لم يكد ينهي جملته حتي قابلته قبضة سالم القوية التي طالت أنفه قبل أن يقول پغضب 

دي عشان وسخت ايدك وحطيتها فى ايد الكلب دا 

لم يكد يستوعب حديثه حتي تفاجئ من لكمة أخرى لا تقل قوة عن سابقتها وصوته الخشن يقول 

ودي عشان سبت الكلب دا يهددك و مكسرتش دماغه 

واحدة ثالثة كانت أقوى من سابقيها

و لكن اختلت نبرته

الفظة و شابهها ضعف كان جديد كليا عليه حين قال

و دي عشان حسستني اني فشلت للمرة الثانية في تربية ولادي 

هل شاهد حقا تلك اللمعة الخاطفة في عينيه هل سالم الوزان عينيه تلمعان بالعبرات هل هذا الضعف في نبرته حقيقي دارت كل تلك الأسئلة بعقله الي أن انتهي سالممن حديثه عند كلمة ولادي والتي تحكي مقدار حبه له و أيضا تشير الي حازم الذي يحمل نفسه ذنب أخطاءه فاندفعت العبرات من مقلتيه وهو يتجاوز ألمه و يهرول الي ذراعي سالم المفتوحين علي مصرعهما وهو يتحدث بتأثر 

متقولش كدا انت

عمرك ما كنت فاشل أبدا حازم غلط عشان هو وحش دا مش ذنبك انت طول عمرك عظيم و مثل اعلي لينا كلنا و ليا انا بالأخص 

اشتد عناق سالم له إثر كلماته المؤثرة فتابع مروان وهو يشدد علي حروف جملته 

انت طول عمرك قدوتي و ابويا اللي بفتخر بيه عمري ما اخونك يا سالم لو السکينة على رقبتي 

لم يعتد تلك المواقف ولكن كانت فرحته تبلغ عنان السماء ببراءة من يعتبره ابنا له فخرج صوته مبحوحا متأثرا حين قال 

الدنيا دي كلها عندي متساويش ضافر واحد منكوا انتوا ولادي يا مروان و الضنا دا غالي اوي عمره ما يهون 

تشابه الليل و النهار معا و اختلطت جميع ألوان الحياة بنظرها لتصبح رمادية هكذا هو حالها منذ أن فقدت طفلتها وانطفئ بريق الحياة بعينيها حتى أنها منذ ذلك اليوم وهي تنتظر أجلها المحتوم فقد كان هو السبيل الوحيد

تم نسخ الرابط