رواية ميراث الندم بقلم الكاتبة أمل نصر
المحتويات
اللي ظلم نفسه ابوك الدنيا غراه ومعدتش شايف غير نفسه ومصلحته ومع حظه الزفت اتمسك باللي مشجعاه على كدة وكانها بتاخد بيدها على سكة الهلاك عدل وهو مع غباوته مصدجها وماشي وراها
صفقت پعنف باب المنزل بعد أن ولجت إليه عائدة من الخارج بزيارتها لعبد المعطي بغرض أثناءه عن القرار المجحف بحقها وحق أولادها تحمل بداخلها نيران تغلي بأحشائها وقد ذهب الأمل الذي عاشت عليه سنوات تتمنى تحقيقه بمۏت الكهل العجوز لينقلب كل ذلك الان لصالح غريمتها وضرتها سليمة وابنها
صاحت بها غاضبة وقد تفاجأت به يفترش الأرض متربعا وبيده سېجارة يلفها أمام بناته الصغيرات رمقها بنظرة مستخفة غير ابها وعقب ابنها الأكبر بسخرية
يعني هيكون بيعمل ايه ياما بيظبط مزاج راسه طبعا ولا ايه يا بوي
اومأ له بامتعاض ليتابع التركيز فيما يفعل ف انتفضت هي تسحب بناتها تدخلهم الغرفة الخاصة بيهن وتغلقها جيدا قبل ان تلتف إليه لتصب عليه جام ڠضبها
نهرها پعنف قائلا
بطلي جلة حيا ولمي نفسك يا بت بدل ما اجوم اربيكي على كلمتك دي
هو دا اللي فالح فيه
صړخت بها لتتابع بغليل ما تحمله داخلها
اضربك ازفتك أنيلك وعايش حياتك ولا اكن حصل شي البيت هيروح منك والفلوس اللي كنا متعشمين بيها طارت هتفضل كدة طول عمرك ملاحظ في مصنع وانا هفضل في الشجا اللي اتبليت بيه من ساعة ما اتجوزتك
اه يا زمن بت التنح بجالها صوت وكمان معجبعاش عيشتي على اساس ان ابوها كان مسكنها في سرايا ولا فيلا في الساحل
استشاطت ڠضبا لتهدر به بعدم احتمال
كفاية بجى فوج وبلاها من التريجة والكلام الفاضي ده اتحرك شوف حد يساعدك ويجف لابوك ويرده للصح
ضحك مرة أخرى وكأنه قاصد أن يجلطها ببروده ليعلق اخيرا ردا على كلماته
توقف يطالع وجهها المصبطغ بحمرة الڠضب ليزيد
عليها بقوله
طب انتي روحتي وسحبتي ولدك دلوك وانا ممنعتكيش طب تجدري تجوليلي وصلتي معاهم لايه من صراخك وجلبة وشك دي انا متأكدة انك خدتي على نفوخك منيهم صح ولا لاه
ايوة بس لازم تعرف كويس ان ابوك عمل كدة مخصوص عشان يكيدني انا جبلك بيربيني عشان بت اخوه جاصد يكسرني عشانها يراضيها طب يعمل حساب للعيال ولا عشان حجازي خلفة سليمة ياخد الجمل بما حمل وولادي انا يترزعوا في الفجر طول عمرهم ربنا ياخده عشان نستريح منه
فضيها يا شربات من شغل الحريم واللت والعجن انا اساسا عرفت هعمل ايه الراجل دا مش هياجي غير بجضية حجر عشان اخد منه كل اللي يملكه على حياة عينه وخليه يتحسر براحته
صړخت مرددة خلفه باستنكار
حياة عينه امتى هو فيه نفس! الجضايا بتاخد وجت وابوك رجله والجبر مفيش وجت للمحاكم يا جزين
امال يعني اعملك ايه
تسائل بها بتذمر ليعود لسيجارته غير ابها بسخطها ولا دعائها المستمر على ولده
الهي يارب ټموت يا حجازي ونحن اللي نورثك
وبداخل مصلحة البريد الخاصة بالبلدة دلفت لتلفت جميع الرؤوس نحوها من أشخاص عادين أتوا لقضاء مصالحهم أو موظفين تركوا ما كانوا يعملون عليه ليتلقفها كبيرهم الذي خرج من خلف الحاجز الزجاجي يستقبلها بحفاوة
ست البنات والدنيا كلها مشرفانا النهاردة
تبسمت ترد على استقباله بمودة وتوقير
الله يخليك يا عم عوف المكان منور بأصحابه وبالناس اللي شغالين فيه يا راجل يا طيب عامل انت بجى
صافحها يردد وهو يشير على أحد المقاعد القريبة
زين يا بتي وعال اتفضلي اجعدي واستريحي وأمري احنا تحت أمرك
رفضت بدماثة ترد على زوق الرجل
الأمر لله وحده يا عم عوف انا بس جاية استلم حاجتي وماشية
حاجة ايه
تسائل بها قبل أن يأتيه الإجابة من أحد موظفيه الشباب بلهفة مرددا
حاجتها اهي يا عم عوف دا الطرد بتاعها
قالها ثم اقترب يخاطبها بابتسامة
انا اللي اتصلت على رقمك وبلغتك بوصوله عشان تيجي تستلميه ودلوك عرفتك من صوتك
اومأت تتناوله منه بلطفها المعتاد وعقب عوف
دا سمير الموظف الجديد باينه ميعرفكيش دي الست روح يا سيدي بت الدهشان واخت كبيرهم غازي الدهشان
اهلا يا استاذ سمير تشرفنا
دا انا اللي ليا الشرف تحبي اخدمك بأي حاجة تاني انتي تؤمرينا والله
قالها بمبالغة جعلت ابتسامتها تتوسع بعزوبة حتى ظهرت أسنانها البيضاء قبل
أن تجفل على حمحمة خشنة من خلفها وصلت كزمجرة غاضبة الټفت لتجد ابن عمها وخطيبها السابق يطالعها بواجهه باردة وعينين تشتعل من الچحيم ابتلعت ريقها بتوتر وهي تسمعه يخاطب الرجل
عامل ايه يا عوف
بعد لحظات
كانت في طريقها نحو السيارة التي تنتظرها بسائقها على جانب الطريق لكن وقبل أن تصل اليها تفاجأت به بهتف مناديا بإسمها توقفت مجبرة تلتف إليه بنظرة متسائلة مستهجنة نداءه باسمها أمام البشر وعلى قارعة الطريق حتى إذا وصل إليها خرج صوته پغضب مكبوت
جاية بنفسك تستلمي الطرد المهم مكنش ينفع تبعتي السواج ولا حد من طرفك يستلمه
ضغطت داخلها حتى لا تتلفظ برد يحسب عليها وافتر فاهاها بابتسامة صفراء تجيبه
ينفع طبعا بس انا محبش حد يجيب حاجتي مش عيب ان اجيب اللي انا عايزاه بنفسي
حاجتك اللي هي ايه يا روح
تسائل بها ليزيدها اشتعالا لتدخله السافر في شئونها وقد انتهى كل شيء يخصها معه ولم يتبقى سوى صلة الډم ومع ذلك لم يكف عن ملاحقتها رغم مرور السنوات وقد زادت منذ طلاقه ولكنها لن تعطيه فرصة للأخذ والرد ردت لتقطع حاسمة وقد ارهبتها هذه النظرة التي تعملها جيدا منه ومع ذلك تدعي عدم الاكتراث
حاجتي اللي هي الكتب يا عارف بعت عليها من دار النشر وجاتني بالشحن في حاجة تاني عن اذنك بجى
لفظت كلماتها والټفت ذاهبة نحو وجهتها فوصلها غمغمته الواضحة
الكتب اللي بتيجي عشانها كل شهر
عضت على شفتها السفلى تكبح نفسها عن العودة اليه تمنع جاهدة فرص الاحتكاك به وهي ترى رغبته بها ظاهرة وضوح الشمس وعدم اكتراثه لرفضها له سابقا وكأنه عاد ليجدد عهده في الإلحاح والضغط عليها من اجل الزواج به وقد استراحت سابقا بزواجه ليته استقر حتى يحل عنها
في المساء
دلفت بخطواتها السريعة داخل الغرفة بحرص على تدفئة ابنها بعد أن حممته تخش أن يصيبه نوبة برد عادي حتى لتجلس به على طرف السرير ملتفا بالمنشفة الخاصة به وهي ما زالت تضمه ب لعدة لحظات تنشف على شعر رأسه وبعد الأجزاء من جسده حتى رفع وجهه إليها ضاحكا وهي معه بتواصل بصري جمعه بها لتشاركه المرح حتى عقب زوجها الذي أتى لينضم بجوارها يخاطب طفله
أمك المچنونة مش هاين عليها تفلتك حتى بعد ما جفلت الباب ودفت الأوضة
ضحك له الصغير وخرج
ردها هي بإصرار
طبعا لازم اخاڤ عليه ليسطه لسعة هوا تتعب صدره هو انا حمل كحة حتى تطلع من صدره الصغنن ده
تبسم بيأس لينهض من جوارها نحو خزانة ملابسه كي يبدل ما يرتديه معقبا
حتى الكحة مش حملاها يا مرة جوي جلبك شوية العيال كلها هتتعب وتروج ولا انتي بس اللي أم يعني وجلبك رهيف
طالعته بعتب قائلة
لا يا خوي مش انا بس اللي جلبي رهيف بس كمان مش كل الناس راح لها عيال ولا انت ناسي جوز الولد التوأم حسن وحسين اللي راحوا مني من جبل ما اخدهم حتى في حضڼي
ترك القميص الذي كان ينتوي أن يرتديه وعاد ليطبع اعتذار على وجنتها مشفقا عليها من هذه الذكرى التي أوجعتها ورد هامسا
صعبان عليكي جوز الولد اللي راحو منك بكرة تجيبي غيرهم وتخاوي معتز بالبنات والولاد استريحتي بجى يا ستي
تبسمت بانتشاء وتنهيدة بتمني خرجت منها قبل ان تقول
بصراحة نفسي يا حجازي اصل انا بحب العيال جوي ولد أو بنتة وحاسة كدة اننا عوجنا على معتز دا عنده تلت سنين عايزة اللحج اجيب العدد اللي عايزاه
قهقه بضحكة جلجلت في قلب الغرفة ليرد على كلماتها بمرح وابتسامة ذات مغزى
خلاص يا ستي نشوف الموضوع ده ونركز فيه زين الايام الجاية مهو برضك تلت سنين على الواد كتير واحنا عايزين نلحج على رأيك
اكمل بضحكاته التي ازدادت صخبا حتى تعجبت داخلها لهذا التحول من الحزن والتفكير طوال الأيام الفائتة الى ابتهاج مبالغ فيه وكأنه نفض عن رأسه كل همومه ولكنها سعيدة لسعادته ووقع الضحكات بأسماعها ما أجمله بالإضافة لمرح حبيبها الصغير معتز والذي اندمج مع والده يشاركه الضحك والرد بكلماته الغير مفهومة
بجولة قام بها على حصانه ليتفقد مساحات الأرض الشاسعة والتي كانت جبلية في الماضي لتصبح الان جنة خضراء بحجم المزروعات المتنوعة لها ومجتمع عمراني متكامل بعد أن استوطنت عائلته بإصلاحها وتعميرها ثم من بعدهم جاء باقي افراد البلدة تباعا ولكن كانوا هم الأصل لذلك خرجت التسمية نجع الدهشان
ولكنه تفاجأ في هذا الوقت الهادئ من المساء بشبح فرد ما جالسا على إحدى جذوع الأشجار وحده ورغم انتباهه له إلا انه تعمد ألا ينظر اليه حتى اقترب غازي ينزل من على حصانه مبادرا بالتحية والحديث
عارف عامل ايه يا واد عمي
رفع رأسه إليه بتكاسل ليجيبه باقتضاب وفتور اعتاد عليه منه منذ عدة سنوات اي من وقت فسخ خطبته بشقيقته
الحمد لله زين
الحمد لله زين
تمتم بها يرددها من خلفه
باستهجان ليزفر هواءه المعبأ بغضبه واقترب يربط حصانة بأحد الفروع قبل أن يتقدم اليه يناكفه
خبر ايه بترد كدة من تحت الضرس كلت ورث ابوك انا اياك
رمقه بنظرة باردة خالية من أي استجابة واهتزت رأسه قائلا
كلته بجى ولا مكلتوش معدتش فارجة ياللا
ازداد السخط بقلب غازي يضرب كفا بالاخر هاتفا به بعصبية
لا حول ولا قوة الا بالله يا واد عمي افرد خلجتك دي وكلميني زين خد وادي معايا مينفعش نجيط الكلام ده وانا جايلك بجلب ملهوف وجلجان لما شوفتك لوحدك في الدنيا الهو دي
للمرة الثانية يطالعه صامتا بتفكير زاد من قلق الاخر حتى قطع حاسما
مش جادر انساها!
اهتزت رأس غازي بتساؤل اجاب عليه بنفاذ صبر
شوفت اختك النهاردة يا غازي طالعة من مكتب البريد واتحدت معاها دمي كان بيغلي وانا شايف عيون الخلج بتتطلع عليها هتجولي انت مالك
هجولك دمي محاملش
تجمد غازي وبدا الوجوم ظاهرا على صفحة وجهه وقد أجفله
متابعة القراءة